SVG Hover Effect

SVG Hover Effect

قادم من دبي: مستقبل تحكمه الروبوتات والمحاكم الرقمية والفيزياء الكمية

تقرير "الميجاترندز 2025" الصادر عن مؤسسة دبي للمستقبل يرسم خريطة تحولات كبرى من المواد الكمية إلى الروبوتات والأتمتة والهوية الرقمية، في لحظة تاريخية قد تعيد صياغة الاقتصاد والمجتمع والقيادة على مستوى العالم.

دبي (ترسداي الإمارات) — في عامٍ مشحون بالتقلبات الجيوسياسية والارتدادات الاقتصادية، قد يكون هناك تيار أكثر هدوءًا ينبثق من قلب الصحراء. تقرير The Global 50 (2025)، الصادر عن مؤسسة دبي للمستقبل، لا يُعد مجرد توقع لما قد يحدث، بل هو إعلان طموح بلا اعتذار عمّا ينبغي الاستعداد له. فبينما يرسم التقرير عشرة توجهات كبرى مترابطة، لا يبدو وكأنه قائمة مصطلحات دارجة بقدر ما هو أطروحة محكمة حول إعادة برمجة البُنى الأساسية للمجتمع والصناعة والهوية.

البداية مع ثورة المواد، والتي ليست مجرد عنوان عام، بل مجال مليء بالأمثلة الواقعية: من الخشب الشفاف الأكثر عزلًا من الزجاج بخمس مرات، إلى الفلاتر البيولوجية التي تزيل 97% من الملوثات في المياه، إلى المواد الكمية الخارقة القادرة على تشغيل الحواسيب الكمية أو توليد طاقة نظيفة. يُحذر التقرير من هيمنة الصين على 85% من سوق المغناطيسات الدائمة، المستخدمة في توربينات الرياح والسيارات الكهربائية، مما يحفّز البحث العالمي عن بدائل خالية من العناصر الأرضية النادرة.

أما ثورة البيانات، فتتحول من كونها مجرد جمع للأرقام إلى صناعة للأبعاد. في عام 2023، انضم 97 مليون شخص إلى الإنترنت، مما رفع عدد المتصلين إلى 66% من سكان العالم. بفضل 5G و6G، ستزداد سرعة الاتصال، وسيصبح الذكاء الاصطناعي متعدد الوسائط (MXAI) معيارًا، قادرًا على فهم الصور والنصوص والأصوات معًا. في أولمبياد باريس 2024، استُخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد أكثر من 7 ملايين ملخص شخصى للمشاهدين. بحلول عام 2027، يتوقع أن يشكل هذا النوع من الذكاء 40% من جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مقابل 1% فقط في 2023.

لكن هذا التوسع الرقمي ليس دون ثمن. الهشاشة التكنولوجية أصبحت تهديدًا عالميًا. يكشف التقرير أن بنك الكومنولث الأسترالي يتعامل مع 85 مليون محاولة احتيال إلكتروني يوميًا. الخطر يتجاوز الاقتصاد ليشمل الصحة النفسية: 60% من ضحايا الاحتيال أبلغوا عن اضطرابات في النوم والقلق. الأسوأ، أن المجال الجديد المعروف باسم “الأمن البيولوجي السيبراني” يشير إلى خطر حقيقي يتمثل في إمكانية إعادة تركيب فيروسات خطيرة رقميًا باستخدام بيانات جينية منشورة علنًا.

الطاقة، العنصر الرابع، أصبحت ميدانًا جيوسياسيًا. عبر استخدام نظريات الألعاب، يحلل التقرير كيف يمكن للدول التفاوض أو التنافس على طريق الوصول إلى “صفر انبعاثات”. من مشروعات الطاقة النووية الصغيرة إلى التوسع في الهيدروجين الأخضر، ومن سلاسل التوريد إلى المعادن النادرة، يشير التقرير إلى ضرورة الاستغناء عن البلاتين – أحد أغلى مكونات المحللات الكهربائية – عبر إيجاد بدائل مثل النيكل والكربون.

في البيئة والأنظمة البيئية، يطرح التقرير تحولًا من “الاستدامة” إلى “التجديد”. الذكاء الاصطناعي يستخدم لتحليل أصوات الحيتان، واستعادة التربة عبر الفحم الحيوي (biochar) يعزز خصوبة الأرض بنسبة 10%. شبكة “إنترنت الأشياء تحت الماء” تُرصد كأداة مستقبلية لرصد المناخ ومنع الكوارث الطبيعية. التقرير يحذر من أن هذه الابتكارات قد تُستخدم في التجميل التقني للأزمات بدلًا من علاج الجذور السياسية للأزمة البيئية.

أما الاقتصاد الرقمي العابر للحدود، فيرصد صعود العملات الرقمية وتنظيمها المتباين بين الدول، مع إشارة إلى تقدم الإمارات في هذا المجال عبر أربع جهات رقابية رقمية متخصصة. الأكثر إثارة هو طرح فكرة منح “شخصية قانونية” للذكاء الاصطناعي، أسوة بالشركات، من أجل مساءلته قانونيًا في حال اتخاذ قرارات خاطئة أو تسبب في أضرار عابرة للحدود.

في الواقع الرقمي، وبينما خسر قطاع “الميتافيرس” مليارات بسبب تباطؤ التبني، يتوسع الواقع المعزز (AR) بفضل تطبيقات مثل IKEA وL’Oréal. التقرير يناقش الآثار النفسية لتعدد الهويات الرقمية، وحالة “الانفصال” التي تصيب المستخدمين عند تضارب الذات الواقعية والافتراضية.

الروبوتات والبشر الآليون لم يعودوا حكرًا على الصناعة. أكثر من 8 ملايين روبوت نشط اليوم حول العالم، ويُتوقع أن تصل سوق الروبوتات البشرية إلى 66 مليار دولار بحلول 2032. روبوتات مثل ALOHA Unleashed من Google أظهرت براعة غير مسبوقة في المهام الدقيقة. إلا أن التقرير يوضح أن النجاح لا يعتمد فقط على الكفاءة، بل على “الثقة البشرية”، خاصة مع تصاعد استخدام هذه الآلات في الرعاية الصحية والتعليم.

الإنسان ومستقبل العمل هما محور التوجه التاسع. الجيل Z، الذي سيشكل 27% من القوى العاملة عالميًا بحلول 2025، يبحث عن تطابق القيم بينه وبين أصحاب العمل. في الوقت ذاته، يشهد العالم أزمة عدالة عالمية تطال أكثر من 5.1 مليار شخص. هنا، يُقترح استخدام الذكاء الاصطناعي لحل النزاعات القانونية عبر الحدود، ويبرز أمثلة من كندا والولايات المتحدة لإنشاء منصات إلكترونية لحل القضايا الأسرية والمالية.

أخيرًا، في الصحة والتغذية المتقدمة، يناقش التقرير تحديات التفاوت الوراثي، حيث أن أكثر من 94% من البيانات الجينية المستخدمة في الأبحاث تعود لأشخاص من أصول أوروبية. يدعو التقرير إلى توسيع قواعد البيانات الجينية لتشمل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. من جهة أخرى، يبحث في تأثير تلوث الهواء على “الإبيجينات” — أي التغيرات في التعبير الجيني الناتجة عن البيئة — والتي قد تؤثر على أجيال مستقبلية.

يخلص التقرير إلى أن المستقبل ليس سيناريو واحدًا، بل شبكة متداخلة من الأزمات والإمكانيات. بدلًا من محاولة السيطرة على المستقبل، يدعو التقرير الحكومات والشركات والمجتمعات إلى التفاعل معه بذكاء، مرونة، وشفافية.

The latest stories from The Thursday Times, straight to your inbox.

Thursday PULSE™

error: