في خضم بحر السياسة الباكستانية المتلاطم، اعتدنا على العواصف العرضية المليئة بالإثارة. ولكن بين الحين والآخر، تظهر عاصفة من العبثية تجعل حتى أكثر المراقبين خبرة يهزون رؤوسهم من شدة الدهشة. الإعصار الأخير؟ بوشرا بيبي، زوجة رئيس الوزراء السابق عمران خان، نسجت قصة تتهم فيها المملكة العربية السعودية – الدولة التي تعد مرادفًا للتقاليد الإسلامية – بالتآمر لإسقاط حكومة زوجها لأنها كانت “مؤيدة جدًا للشريعة” بحسب زعمها. إذا ارتفعت حاجباك من الدهشة، فأنت لست وحدك۔
لنقف لحظة لنقدر الجرأة الشديدة لهذا الادعاء. المملكة العربية السعودية، مهد الإسلام وحاضنة الحرمين الشريفين، تتهم بأنها غير مرتاحة لاحتضان باكستان للمبادئ الإسلامية؟ يشبه هذا اتهام سويسرا بأنها تمتلك الكثير من الشوكولاتة أو فرنسا بالإفراط في الجبن والنبيذ. المفارقة ستكون مسلية لولا أنها سخيفة بشكل صارخ۔
عمران خان، خلال فترة ولايته، استفاد من دفء العلاقات مع السعودية. هل تتذكر تلك الزيارات الفخمة إلى الرياض؟ جلسات التصوير مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الاستقبالات الكبرى، والإشادة المتبادلة بالقيم والرؤى المشتركة للعالم الإسلامي. قدمت السعودية دعمًا ماليًا سخيًا لباكستان في ظل قيادة خان – مليارات من المساعدات لدعم اقتصاد متعثر. هل يتوجب علينا الآن أن نصدق أن السعوديين كانوا يخططون سرًا للإطاحة به طوال الوقت لأنه كان… إسلاميًا جدًا؟
هذه الرواية لا تقتصر على تجاوز حدود المصداقية؛ بل تكسرها إلى ملايين القطع. إنها محاولة يائسة لإعادة كتابة التاريخ وتحويل اللوم بعيدًا عن المكان الذي ينتمي إليه حقًا. بدلاً من مواجهة إخفاقات إدارته، تقوم دائرة خان الداخلية باختراع مؤامرات لا يمكن قبولها حتى في روايات رخيصة۔
دعونا نغوص أعمق في العلاقة الطويلة الأمد بين باكستان والسعودية – علاقة بنيت على مدار عقود من الاحترام المتبادل، والإيمان المشترك، والتحالف الاستراتيجي. منذ إنشاء باكستان، وقفت السعودية بجانبها. خلال حرب 1971، وأزمات النفط في السبعينيات، والصراع السوفييتي-الأفغاني، وما بعد أحداث 11 سبتمبر، كان الدعم السعودي ثابتًا. قدمت المملكة مساعدات مالية، ونفطًا بالدفع المؤجل، ودعمًا دبلوماسيًا على المنصات الدولية. الملايين من الباكستانيين وجدوا فرص عمل في السعودية، وأرسلوا تحويلات مالية إلى وطنهم الذي يعتبرها شريان حياة لاقتصاده۔
علاوة على ذلك، لعب الباكستانيون دورًا محوريًا في بناء السعودية الحديثة. خذ، على سبيل المثال، صحيفة “عرب نيوز” – الصحيفة الرائدة باللغة الإنجليزية في المملكة – التي تأسست بخبرة صحفيين باكستانيين. مهندسونا ساهموا في بناء الهياكل البارزة مثل جسر الملك فهد وأجزاء من مترو الرياض. الأطباء والمعلمون والمهنيون الباكستانيون قدموا مساهمات لا تقدر بثمن للمجتمع السعودي. العلاقة تكافلية، مبنية على الثقة والمصير المشترك۔
ومع ذلك، في هذه الرواية الخيالية التي نسجتها بوشرا بيبي، يتم تجاهل كل هذا. بدلاً من ذلك، يتم تقديم قصة تزعم أن المسؤولين السعوديين كانوا مستائين للغاية من حج عمران خان حافي القدمين إلى المدينة المنورة وارتدائه للزي التقليدي لدرجة أنهم تآمروا مع الجنرال قمر جاويد باجوا لإسقاط حكومته. إنها قصة لكانت تُرفض حتى في هوليوود لكونها غير قابلة للتصديق۔
دعونا نعالج النقطة الجوهرية: لم تُسقط حكومة عمران خان بسبب قوى خارجية غير مرتاحة لتوجهه الديني. سقوطه كان نتيجة لسوء الإدارة السياسية الداخلية، والمشاكل الاقتصادية، وفقدان الثقة بين حلفائه والشعب. الاقتصاد كان في حالة تدهور، والتضخم كان في ارتفاع، والوعود بـ “باكستان جديدة” بقيت غير محققة. إلقاء اللوم على السعودية ليس مجرد تشتيت؛ إنه إهانة لذكاء الشعب الباكستاني۔
علاوة على ذلك، فإن جر الجنرال باجوا إلى هذه المؤامرة المصطنعة هو تصرف غير مسؤول ويضر بالوحدة الوطنية. للجيش ديناميكياته ومصالحه الخاصة، ولكن الادعاء بأن قائد الجيش قد يتصرف كدمية لقوى أجنبية يقوض نسيج سيادتنا. إنه يزرع الفتنة ويصرف الانتباه عن القضايا الملحة التي تتطلب تركيزنا المشترك۔
لا يسع المرء إلا أن يشعر بنمط يتكرر هنا. كلما تعرض عمران خان ودائرته المقربة للضغط، يلجؤون إلى اتهامات وادعاءات مبالغ فيها. اللوم دائمًا يقع على الآخرين – المعارضة، القوى الأجنبية، المؤسسة “الفاسدة”. يتم التهرب من المحاسبة، وتحويل اللوم. هذه المرة، تجاوزوا الحد، مستهدفين دولة كانت دائمًا حليفًا ثابتًا۔
تبعات هذا الخطاب الطائش خطيرة. السعودية ليست مجرد دولة؛ إنها محور في علاقات باكستان الخارجية، وشريك اقتصادي رئيسي، ومركز روحي لدولتنا ذات الأغلبية المسلمة. تقويض هذه العلاقة بسبب اتهامات لا أساس لها هو تهور دبلوماسي من الدرجة الأولى۔
علاوة على ذلك، دعونا نفحص الادعاء بأن السعودية تبتعد عن مبادئ الشريعة، وبالتالي وجدت حكومة خان غير مقبولة. صحيح أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أدخل إصلاحات تهدف إلى تحديث المملكة – مثل السماح للنساء بالقيادة وافتتاح دور السينما – لكن هذه التغييرات تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتحسين الحريات الاجتماعية، وليس التخلي عن القانون الإسلامي. الإطار القانوني الأساسي للسعودية لا يزال قائمًا بقوة على الشريعة. الإيحاء بعكس ذلك يعكس سوء فهم عميق للديناميات الإقليمية.
ربما ما يثير الغضب أكثر في هذه القصة هو الاستغلال الساخر للمشاعر الدينية. من خلال تصوير خان كشهيد للمبادئ الإسلامية، تهدف دائرته إلى حشد الدعم بين شرائح المجتمع المحافظة. إنها مناورة وقحة تستغل الإيمان لتحقيق مكاسب سياسية – تكتيك يجب أن يكون دون أي زعيم يدعي التمسك بالنزاهة الأخلاقية۔
الشعب الباكستاني يستحق الصدق، وليس الروايات الفارغة التي يتم نسجها للتستر على الإخفاقات السياسية. أمتنا تواجه تحديات حقيقية: اقتصاد في حالة يرثى لها، نقص تعليمي، عيوب في الرعاية الصحية، وتهديدات أمنية. معالجة هذه القضايا تتطلب قيادة جادة وبراغماتية – وليس قصص خيالية عن مؤامرات أجنبية۔
حان الوقت لعمران خان وشركائه للنظر في المرآة. تقبل الأخطاء، والانخراط في معارضة بناءة، والمساهمة في تقدم الأمة. توجيه أصابع الاتهام إلى السعودية أو أي كبش فداء مريح آخر يؤدي فقط إلى تآكل المصداقية وتقويض نسيج علاقاتنا الدبلوماسية۔
في عالم السياسة، يُقال غالبًا إن الإدراك هو الواقع. ولكن عندما يتم التلاعب بالإدراك من خلال الأكاذيب، فإن الواقع يجد طريقه لإعادة فرض نفسه – مع عواقب. المجتمع الدولي يراقب ويحكم على الدول من خلال نضج ومسؤولية قادتها. هل نريد أن نُرى كدولة لا تستطيع تحمل مسؤولية قراراتها، ودائمًا تلوم الآخرين على إخفاقاتها؟
الادعاءات التي أثارتها بوشرا بيبي ليست فقط بلا أساس – بل إنها إساءة لباكستان. إنها تشتت الانتباه عن القضايا الحقيقية، وتضر بتحالفاتنا الحاسمة، وتعكس استعدادًا مقلقًا للتضحية بالمصالح الوطنية عند مذبح الثأر الشخصي. لقد حان الوقت لتجاوز هذه التمثيليات والتركيز على إعادة بناء أمتنا بنزاهة وإخلاص۔
الشعب الباكستاني ليسوا بيادق في لعبة سياسية. هم مواطنون يستحقون الشفافية، الصدق، والقيادة الكفؤة. لنوقف لعبة اللوم ونبدأ العمل الجاد لمعالجة التحديات التي تواجهنا. أي شيء أقل من ذلك غير مقبول۔